لو تم صرف نصف ميزانية اتحاد كرة القدم على أبحاث وأقسام علم الرياضيات والفيزياء لحدثت بدايات الثورة العلمية الحقيقية بعدما حققنا بدايات الثورة السياسية!! دائماً يواجه العلماء بسؤال عويص ومحرج من رجل الشارع: ما قيمة صرف الفلوس على علم الرياضة البحتة وغير البحتة وفيزياء الجسيمات.. إلخ، ألسنا نحن أولى بها حتى نستطيع أن نأكل ونوفر رغيف العيش؟!، وبالطبع تلجم ألسنة العلماء فهم قد تعودوا على إقناع وإفهام طلبة كليات العلوم ودارسى الماجستير والدكتوراة ولم يتعود معظمهم على حوار وإقناع رجل الشارع، لذلك سألت د. شعبان سعيد خليل، رئيس قسم العلوم الأساسية، مدير مركز الفيزياء النظرية بالجامعة البريطانية، عن أهمية تلك العلوم النظرية التى نتخيل أصحابها فى أبراج عاجية، أسرى معاملهم المغلقة ومعادلاتهم الخرساء، ونحن بهذا التخيل الواهم نرتكب جريمة فى حق أنفسنا ومجتمعنا. يذكر د. شعبان عدة حقائق مهمة منها «من يدرس العلوم النظرية المختلفة ويشارك فى تطويرها ليس مطالباً بالبحث عن تطبيق ما يدرسه أو ما يقترحه، بل أكثر من ذلك أن العلماء الذين صاغوا أهم النظريات العلمية لم يتصور أى منهم أو يتوقع التطبيقات المتتالية لتلك النظريات، فهم كانوا مشغولين عند وضع تلك النظريات بشىء واحد فقط، ألا وهو الإجابة عن السؤال المطروح وإيجاد حل للمشكلة الموجودة التى كانت سببا فى تلك النظرية.. على سبيل المثال نظرية ماكسويل التى وضع قوانينها العالم كلارك ماكسويل وبيّن فيها أن المجال الكهربى والمجال المغناطيسى ليسا مجالين منفصلين بل إنهما صور مختلفة لمجال موحد وهو المجال الكهرومغناطيسى، تلك النظرية الرائعة التى صيغت عام ١٨٨٧ تعد أول نظرية لتوحيد القوى فى الطبيعة، وإلى الآن هذه النظرية هى الأساس الذى يبنى عليه كل أنواع الأجهزة التى تتعامل مع الموجات الكهرومغناطيسية، مثل: الراديو والتليفزيون والرادار.. إلخ وأشعة (x) واستخداماتها المختلفة (والتى بالطبع لم تكن تخطر على بال ماكسويل فى ذلك الحين). ■ إن العلوم التى تبدو تجريبية ولها ارتباط مباشر بالحياة اليومية مثل الكيمياء، على سبيل المثال، تبنى على علوم نظرية بحتة قد تبدو أنها بعيدة الارتباط بالواقع مثل الرياضيات والفيزياء النظرية، فنظرية الكم الفيزيائية ومعادلاتها الرياضية كان لها الأثر البالغ فى تقدم علم الكيمياء فى القرن الماضى، ومما لا شك فيه أن فهمنا لطبيعة الجسيمات الأولية الأساسية فى تركيب المادة سوف يكون له الأثر البالغ فى تطور العلوم المختلفة. ■ من أهم التطبيقات السلمية لفيزياء الجسيمات الأولية والفيزياء النووية بشكل عام استخداماتها فى المجالات الطبية. فكما هو معروف تستخدم الآن أشعة بيتا وأشعة جاما فى علاج بعض الأمراض، خصوصاً الأورام السرطانية. ■ الدعم المالى الذى تستلزمه الأبحاث النظرية قليل جداً ولا يقارن بتجهيز معمل فى أى فرع من فروع العلوم التجريبية المختلفة، فكل ما يحتاج إليه الباحث النظرى هو مكان مناسب به كمبيوتر موصل بالإنترنت، يستطيع أن يقوم فيه بإجراء أبحاثه، وراتب شهرى يكفيه بحيث يستطيع أن يتفرغ لهذه الأبحاث. وللأسف الشديد، مثل هذه المتطلبات الزهيدة لا تتوافر لنا فى مصر ونضطر إلى الاغتراب. ■ مصر بكل تاريخها الطويل وشعبها الكبير، بميولهم وإمكانياتهم المختلفة، يجب أن تكون لها مساهمة بناءة فى مختلف فروع العلم، فكما بينا، أنه ليس من الحكمة إهمال العلوم النظرية بغرض الاهتمام فقط بالعلوم التجريبية، فالعلم منظومة متكاملة، لا يمكن أن تستقيم بطرف واحد من طرفيها. بالطبع، أتمنى أن يكون للدولة اهتمام خاص ببعض المشاريع والفروع العلمية التى قد تتغير من عام إلى آخر، ولكن لابد أن يبقى فى النهاية الدعم الأساسى لكل أنواع العلوم، ونشجع كل من يستطيع أن يصل باسم مصر إلى المحافل الدولية فى أى فرع من الفروع، فليس من الطبيعى أن نولى اهتماماً بالغاً وندفع الكثير من الأموال لكى يكون لمصر تمثيل مشرف فى المجالات الرياضية المختلفة (وهنا لا أقصد الدولة فقط، بل أيضاً الأفراد، فكلنا نعلم كم يدفع بعض رجال الأعمال للأندية الرياضية) ونتجاهل تمثيلنا المشرف فى المحافل العلمية الدولية!!».